من المجازر في البوسنة إلى الشيشان، ومن جهاد الفتاة المسلمة في تركيا وحتى تونس، من محاولة الأمريكيين تجريدها من حيائها في أفغانستان، من فلسطين وقد تحدّث الدم! إلى العراق الذي سال دمه في طرقات الصمت وما من أحد تكلّم!
قصة واحدة تتكرر وتتغيّر الأسماء، والطعن - وإن تذوّق مختلف الأجساد - سكينُهُ واحدة اسمها المحتل!!
والاحتلال لم يعد جيشاً يحط على الأرض، ويلقي بظله الثقيل على الأبنية والبشر، بل صار أفكاراً تغزو العقول، وتعيد برمجة المفاهيم فيها بطريقة تجعل المرء مجرد أداة توظّف قدراتها في خدمة من يستعبدها، ويستبعدها عند الانطلاق صوب الهدف!
وكل ما يقف في وجه الهيمنة الثقافية للمحتل يُعتبر مقاومة للحضارة، وإصراراً على التخلّف، وانضماماً لقوائم الإرهابيين التي لا تنتهي.
وتتكالب علينا الأمم، ولشدة هواننا يرضينا أن نكون القصعة! ونستسلم للأيدي الممتدة بالجشع، ونقفل أعيننا عن الأفواه الشرهة! نئن بين أضراس من يعرف كيف يقطّنا، ونراهن ونحن مزق بين فكّيه بأن شيئاً ما سيحدث فيبصقنا!!
هانت علينا أنفسنا فتجرأ علينا من هم دوننا، ونسينا الله فأنسانا أنفسنا! وصرنا غثاء السيل، وزبد البحر الذي على كثرته يذهب هباء، ولا خير يرجى منه! نلهث وراء دنيا بقدر ما نقترب منها تبتعد! وتركلنا إن لامسنا بالشوق نعلَيْها.
نقلّب صفحات العمر علّنا نجد ما يمكّننا من رفع رؤوسنا وقد مللنا الانحناء، فلا نجد غير كتاب الله يورق في صدورنا، ويزهر كلمات لها فرحة الميلاد! وانبلاج الفجر حين يعزّ النور، ويختفي بالظلمة القمر.
فطريقنا إلى الله طريقنا إلى أنفسنا! وأولى الخطوات في السير صوب التغيير أن نشعر بجراح بعضنا، وأن نستعيد حساسية الجسد الواحد.
قرارٌ كالذي اتخذته فرنسا مدّعية الحرية والعلمانية بمنع حجاب المسلمات في مدارسها الحكومية يؤذي كل مسلم في كل مكان، ويفضح ضعف الأمة والجرأة عليها، واستجابة العالم لمحاولة الزجّ بالمسلم في دائرة الإرهاب سواء بعقيدته أو سلوكه، وذلك لعزله عن المجتمعات التي يتواجد فيها، أو دفعه للانسلاخ عن أمته والذوبان في تلك المجتمعات مستسلماً لواقع القوة الجديد، الذي لا همّ له سوى قلب الحقائق والألوان.
ورغم السعي الحثيث لتبرئة الوجه الفرنسي من قبحه المعلن؛ تستعد دول أخرى من الاتحاد الأوروبي لتبنّي الموقف الفرنسي الذي أجازه الأزهر! وتلك طعنة في عمق الخاصرة، وبنصل عربي مسلم!
أما لعبة المناهج وتحديثها فحلقة أخرى من مسلسل الاحتلال الذي تبثّه الحكومات العربية والمسلمة على شاشات الوعي المستسلم للخدر.
يريدون إعادة تشكيل الأبجدية، وخلق جيل لا يجيد الانحناء وحسب، بل ويجدّ في طلبه! جيل يجعل التوراة هي الحاكم، والقلنسوة هي الرمز المهيمن، جيل من الحمائم التي يسعدها أن تذبح على موائد الطغاة ليمتدحوا أدبها!
يريدونه جيلاً غريباً عن رسول الله، فتياته جمر يمنح الدفء المجاني لعابري السبيل، وفتيانه مكبّلين بقيود الشهوة والانحلال الخلقي، وشيئاً فشيئاً، تنمحي الذاكرة، وتستبدل الأفكار، وتوأد المقاومة، وتنحني المئذنة للصليب الذي ابتلعته القلنسوة.
تلك أمانيّهم!!
فهل من استراتيجيات للمقاومة في مجتمعاتنا العربية والمسلمة؟ وماذا عن آليات الحماية الذاتية، إنها مسؤولية كل مسلم أمام الله أن يحافظ على ذاكرة الأمّة، وأن يكون المعلّم في كل مكان يصل إليه، لكي لا ننسى أنفسنا، ولكي تظلّ أعين أبنائنا رغم محاولات التغريب داخل الوطن معلّقة بأسوار بيت المقدس كما الصخرة المشرّفة.