توالت ردود الأفعال على الجريمة التي تنفذها العصابات الصهيونية على المؤمنين المستضعفين في غزة , ولم تختلف تلك الردود عن ردود الأفعال السابقة في جريمة من جرائم العدو الصهيوني منذ احتلال فلسطين للآن .
فالشارع الإسلامي يفور ويثور ثم يغور والحكومات الإسلامية عاجزة عن اتخاذ أي رد فعل مناسب للحدث ودائما ما تكون النهاية أن نطالب الضحية بالصبر
ولكننا عند مطالعة السيرة النبوية نجد أنه قد اختلف تعامل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مع من نال أصحابه بأذى فسنجده في الفترة المكية حيث لم تكن هناك دولة تحكم بالإسلام ولم يكن له قوة تحمي تلك الفئة المؤمنة نجده يمر على آل ياسر وهم تحت وطأة التعذيب الشديد والقتل فيقول لهم صبرا آل ياسر إن موعدكم الجنة .
لكن الأمر اختلف تماما في المدينة فحينما انتهك عرض امرأة مسلمة واحدة فقط ونزع يهودي بعض ثيابها في سوق قينقاع ثار مسلم غَيرة على عرض أخته المسلمة وُقتل بأيدي اليهود جرد الرسول الكريم جيشا كاملا وأجلي بني قينقاع عن المدينة .
فهل ما تمر به الأمة الإسلامية الآن يتشابه مع حاله صلى الله عليه وسلم في الفترة المكية أم المدنية ؟
فمن حيث العدد فالمسلمون الآن قرابة المليار ونصف أي حوالي ربع سكان الأرض
ومن حيث الدول هناك حوالي 57 دولة ذات أغلبية مسلمة يحكمها مسلمون
ومن حيث أنظمة الحكم فكل الأنظمة تقول أنها مسلمة شريعتها الإسلام وتحكم به وتقام فيها الصلوات والشعائر .
ومن حيث القوى والعتاد فكل دولة من تلك الدول لديها جيش مسلح وعندهم من العدد والعتاد ما يجعلها دولة ذات سيدة ومرهوبة من أعدائها
ومن حيث فكرة التوحد والتجمع فهناك منظمة تسمى منظمة المؤتمر الإسلامي وهي منظمة معترف بها في الأمم المتحدة تشترك فيها تلك الدول الإسلامية جميعا - والعجيب أنها أنشئت خصيصا بعد حريق المسجد الأقصى بشهر واحد وأعلنت أن هدفها الأساسي الدفاع عن شرف وكرامة المسلمين المتمثلة في القدس و قبة الصخرة -
فهل بعد هذه الإمكانيات من يقول أن الأمة الإسلامية في مرحلة الاستضعاف المكية حتى يكون غاية ما نفعله لإخواننا في غزة أن ندعو لهو ونقول لهم صبرا آل غزة إن موعدكم الجنة ؟
وإن كنا رغم كل هذه القوى والجيوش المسلحة التي ينفق عليها المليارات والتي لا تستعمل أبدا ما زلنا في مرحلة الاستضعاف المكية فمتى نكون إذن في المرحلة المدنية ؟
وليت الأمر توقف عند تركنا إخواننا كالأيتام على موائد اللئام ينهش في لحمهم الذئاب ونحن نمصمص شفاهنا ونتألم ألما فارغا لا قيمة له ولا وزن , لكنه وصل الأمر إلى تحميلهم - وهم المحاصرون المغلوبون - مسئولية تلك الجرائم
وهناك من يتهمهم بأنهم السبب -في وقوع هذه المذبحة - ويغض الطرف حياء من الجاني الذي هدد إخوانهم المسلمين وهو ضيف على دولة إسلامية وحينها قيل له : لن نلومك فنحن على الحياد , وتعدى الأمر إلى المشاركة الحقيقية الفعالة المؤثرة في حصار أهل غزة ومضاعفة البلاء عليهم .
ألم يرخص لهم الله سبحانه التحيز إلى فئة المؤمنين عند لقاء عدوهم إن لم يستطيعوا مواجهتهم واستثنى ذلك من الفرار من الزحف فقال سبحانه "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ " ؟
أليس ما يفعلونه الآن إن تحيزوا إلى فئة إخوانهم في العقيدة أمرا شرعيا يستوجب تعاملا آخر غير قتلهم ؟
ولا أجد ما أقوله الآن لأهل غزة ولكل مجاهد يرفع راية لا اله إلا الله
أيها الأحباب الأحرار المؤمنون الشجعان
يا من تتحملون وحدكم راية نصرة دين الله في أرضه
لقد اجتمع عليكم القريب والبعيد
وسيقت لحربكم وإبادتكم أقوى الترسانات المسلحة
لكنكم بإيمانكم أقوى من جيوش الأرض مجتمعة
فوالله لو اجتمع عليكم أهل الأرض بخيلهم وخيلائهم وحدهم وحديدهم
ومهما قتلوا منكم وجرحوا وأسروا فلن يسلبوكم إيمانكم ولن يحركوا ثقتكم بربكم قيد أنمله .
إنه وعد الله لعباده المؤمنين ووعد الله لا يتخلف أبدا " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ "
- إنه التمكين للمؤمنين المشروط بالطاعة فالزموها ولا تتخلوا عنها " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً "
- ولن يحدث التمكين إلا بعد الابتلاء والتمحيص فهي سنة الله التي لا تتخلف أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ " " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ " "
ولابد من الفتنة والتمحيص ليتبين الصادق من الكاذب في دعوى إيمانه "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ " " "قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ* قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُون "
فاصبروا وأبشروا يا أهل غزة بالنصر والتمكين بإذن الله فهو وعد إلهي بأن ينصر عباده الصالحين حتى وإن طال الزمن فهذا خباب بن الأرت رضي الله عنه وقد بلغ به التعذيب والإيذاء مبلغا عظيما نال منه وصرح بأنه لو كان تمنى الموت مأذونا فيه لفعل فيقول في البخاري بعد أن اكتوى سبعا " لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به "
ويأتي ليشتكي ما به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول في البخاري أيضا " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلت يا رسول الله ألا تدعو الله فقعد وهو محمر وجهه فقال لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله زاد "بيان" - أحد رواة الحديث - والذئب على غنمه. "
فلا تستبطئوا الزمن ولا تتعجلوا الثمرة فالزمن عند الأمم لا يقاس بعمر الرجال , فقد قال الله عن ظلم فرعون وجبروته وقهره للناس وبلوغة الذرة في المعاصي فقال تعالى في مطلع القصص " نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون * إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين *
وجاءت إرادة الله القاهرة بالنصر والتمكين للمستضعفين فقال " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون "
ولننظر إلى الزمن الذي لا يقاس بأعمارنا القليلة , فتأتي الآية التي تليها لتبين أن موسى عليه السلام - نبيهم الذي سيسوق الله لهم النصر على يديه - مازال رضيعا " وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين "
فالإرادة قائمة بنصر المؤمنين والأجل لا يعلمه إلا الله فلا نستبطئ ذلك النصر ولكن نوقن به ونصبر ونحتسب " حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ "
أألا إن نصر الله قريب